الجمعة، 14 يناير 2011

.............Munira's Bottle.........................

رواية "القارورة "- للكاتب يوسف محيميد


ابتسمت جدتي حتى بان سنّ الذهب في فمها، وهزّت رأسها مشجّعة منى، ثم نظرت نحوي بصمت، وبعد ثوانٍ قالت بصوت واهن ومرهق:



أعطنا قصتك يا منيرة.

* * *


كان هناك حطّاب من أهل نجد له زوجة يحبها، وقد أنجبت له ثلاث بنات، وحين أصبح عمر الصغرى ثلاث سنوات ماتت الأم، فحزن الأب حزناً شديداً، واعتزل الناس وترك عمله على جمله، ليهتم ببناته ويرعاهن، لكن الناس أشاروا عليه بأن يتخذ له زوجة ترعى بناته، وتساعده على العودة إلى عمله كحطاب، وبعد أشهر تزوج بعدما ضاق به الحال، ولم يعد يجد ما يستر به بناته، وكانت زوجته غاية في الجمال، فأحبها حبّاً شديداً، لكن زوجة الأب، كما في الحكايات دائماً، حقود ومحتالة، فقد أحسّت بالغيرة من الحبّ الشديد الذي يغدقه الأب على بناته الثلاث، خصوصاً الصغرى التي تقاسم الزوجة فراشها، فتنام بجوار والدها الحطّاب، بعد أن يفرش لها شماغه، فتنام قريرة العين على رائحة أبيها. بدأت زوجة الأب تظهر الضيق والملل منه ومن بناته، حتى وصل بها الحال أن تطلب منه الطلاق أو يرمي بناته في الصحراء كي يجدن من يرعاهن، ولأنه أحبها كثيراً ولا يملك الاستغناء عنها قرر أن يوافق على طلبها شرط أن ينتظر سنة كاملة حتى تكبر ابنته الصغرى وتستقل عن النوم بجواره، وافقت زوجة الأب، لكنها لم تتحمل أكثر من نصف سنة، ثم هددت مرة أخرى بعد أن كبر بطنها في بكرها، فأخذ الحطاب بناته الثلاث إلى الصحراء على جمله، وملأ زوادتين بالطعام والشراب، وبعد مسيرة نصف يوم، وعند حلول الظلام أناخ الحطّاب راحلته، وأنزل بناته الثلاث وهن فرحات بهذه الرحلة، ووضع زوادتي الطعام والشراب، وبعض الأغطية الصوفية، وغرّر بهن بالقول إنهم سينامون هنا هذه الليلة، وفي الصباح سيعودون جميعاً إلى البيت.


تمدّدت الصغيرة كعادتها على شماغ والدها الحطّاب، ووضعت يدها الصغيرة المحنّاة على صدره، ونامت.


لمحتُ فجأة دمعةً تطفر من عين جدّتي، وهي تحاول أن تواريها عنّا، بينما العبرة تكاد تخنق أختي نورة ومنى، ثم واصلتُ:


بعد أن مضى ثلث الليل، والحطّاب النجدي يذرف الدمع الغزير، وصدره يعلو ويهبط، رفع يد البنت الصغيرة عن صدره، ونهض حائراً بشماغه الذي ترقد على طرفه صغيرته المفضّلة، فما كان منه إلا أن أخرج المقص الذي جهّزه لهذه الغاية، وقصّ طرفه، ثم أخذ شماغه ولفّ به وجهه متقياً برد الصحراء، وغطّى بناته الثلاث بعد أن سمّى عليهن، وغادر.


في هذه اللحظة كانت الدموع لا تسيل من عيني جدتي فحسب، بل حتى أختيَّ كانتا تبكيان لدرجة أن منى أخفت رأسها بين ركبتيها وبدأت ترتعش بجسمها الصغير.


قامت جدّتي وأخرجت من خزانتها قارورة كبيرة على حوافها نقوش هندية، وحروف غير مفهومة، بلون فضّي لامع، وبداخلها كرات صغيرة وملونة من الحلوى، ثم ناولتني إياها، وهي تقول لي:


احفظي هذه القارورة، فقد تكون نجاة لحزنك.


بعد أن تقاسمتُ مع أختيَّ الحلوى الملوّنة احتفظت بالقارورة كي أملأها بأسراري، كانت أغلى صديقة وحافظة للسر، كنت أودع فيها ما يمرّ بي، وأفضي لها بكل همومي ومشاكلي دون أن تبوح لأحد، ودون أن تضيق بالهمّ أو الحزن.

 
 
*ترجمة رواية "القارورة" إلى اللغة الإنجليزية، بواسطة المترجم البريطاني توني كالدربانك، .الجدير بالذكر، أن هذه هي الرواية الثانية للروائي يوسف المحيميد، والتي يتم صدورها عن الجامعة الأمريكيةوقد قام بتصميم ورسم الغلاف لرواية القارورة، الفنان المصري عمر الفيومي، كما جاء العنوان للرواية مختلفاً قليلا عن عنوانها العربي "القارورة" بحيث أضيف الاسم الأول من الشخصية المحورية للرواية، وهي شخصية منيرة الساهي، بحيث أصبح عنوانها الإنجليزي "Munira's Bottle" وتعني الترجمة العربية الحرفية للعنوان: قارورة منيرة.
تلك الرواية "ألقارورة" التي حققت للروائي المحيميد حضوراً لافتاً على المستوى المحلي والعربي، تمت ترجمتها من قبل إلى اللغة الرواية، من قبل الدكتور شاه رستم، كما حصلت على جائزة "Pushcart Prize" للعام 2009، والتي تمنح في نيويورك لأجمل فصول الرواية المنشورة خلال العام. إذ تم اختيار أحد فصول الرواية بعدما تم نشره مبدئياًً في مجلة "PEN" الأمريكية، ومن المتوقع أن يصدر هذا الفصل ضمن الفصول المختارة، في طبعتين في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام القادم 2010.

**يوسف المحيميد

.................. شـــــــــعـــــــــر ..................

محمد بن فطيس المري علم الرسام لا يتعب يدينه  وعلم المرسوم ماله فيه حاجه   طاح في موقف عسى ربي يعينه وحاول ايخبي عن الناس انزعاجه واحتقر رسما...